top of page
  • رزاز بشير

تعرفة الكهرباء الجديدة: أو كيف لاتُغضب الطبقة الوسطى

Updated: Jul 9, 2021

مقدمة

بينما يمور الجو بصدمات زيادات عامة في الأسعار في ظل حكومة الثورة الإنتقالية، بدا للذراع التنفيذي منها أن زيادة بنسبة 400% للقطاع السكني وما يقارب ال 3000% للقطاع التجاري هي أمراً أكثر معقولية من الإصلاح التدريجي للتعرفة على مدى خمس سنوات أو من المفاوضات البطيئة مع الشعب من خلال حملات إعلامية وفقاً لتوصيات البنك الدولي.

فقد قررت الحكومة في يناير 2021 بأن تجري إصلاحات في تعرفة الكهرباء أبرزها خفض خط الدعم الحيوي (Lifeline) للفئة الأكثر فقراً من 200 إلى 100 كيلوواط.ساعة/شهر أي أقل من متوسط إستهلاكها المرصود عند 177 كيلوواط.ساعة/شهر . بينما أبقت على معدلات دعم مقدرة للفئات التي بإمكانها أن تدفع أكثر ومن هي في حاجة في الحقيقة لبعض التحفيز لتتبني ممارسات إستهلاكية أكثر ترشيداً للطاقة.

لم تجد حكومتنا الإنتقالية وقتاً أكثر ملائمة لمثل هذه الزيادات سوى هذا الذي نحن فيه، حيث لايعلم أحدُ بالظبط ما الذي زاد لماذا أو متى زاد. لكن كالعادة فإن من هم في قاعدة الهرم من سيشعرون بوطئتها، من كانوا بالكاد مباصرينها ، وبلا أي هامش لزيادات سواء في فاتورة الكهرباء أو لأسعار السلع والخدمات التي قفزت تناسباً مع الزيادة الفلكية للتعرفة التجارية والصناعية.

سيبدأ هذا المقال بخلفية عامة عن قطاع الكهرباء في السودان قبل أن يحاول إلقاء الضوء على بعض الجوانب ذات الإشكالات في إصلاحات التعرفة. كما يقدم المقال بضع مقترحات بديلة لكيف بإمكان هذه الإصلاحات التي ليس منها بُد أن تكون أقل وطئة على الفئات ذات الدخل المحدود.

الإمداد: فلنتحدث عن ما لا يعني 60% من الشعب السوداني



شكل 1: المحطات وخطوط النقل [1]


لفهم الزيادات الحالية في تعرفة الكهرباء، علينا أن نبدأ بتوضيح خارطة الإمداد القومي. فوفقاً لتقديرات[1] 2018 فإن32% من الشعب السوداني فقط هم من يتمتعون بإمداد كهربائي من الشبكة القومية، يتركز معظمه في المناطق الحضرية ويستثني ولايات دارفور الخمسة وجنوب كردفان بحواضرها التي يتم إمدادها بواسطة شبكات محلية تعمل بمتوسط ست ساعات في اليوم.

تتوزع مصادر الطاقة في السودان بين التوليد المائي والتوليد الحراري بنسب تقارب 50% لكل [2]. حمل إفتتاح سد مروي المثير للجدل في 2009، والذي ضاعف السعة المتوفرة حينها، الكثيرين للتصديق بأنه سيكون الحل السحري لمشاكل الإمداد الكهربائي. لكن في الحقيقة فإن فجوة الإمداد القومي القائمة أصلاً إستمرت في التضخم بفعل زيادة معدلات الإستهلاك السنوية الكبيرة نسبياً (بمتوسط 10% سنوياً[2]) والناتجة عن النمو السكاني وزيادة إستهلاك القطاع الصناعي ومعدل إستهلاك الفرد، وليس بالضرورة عن زيادة عدد المستهلكين. كل هذا وضع القطاع تحت الضغط المستمر لتوفير مزيد من السعة الكهربائية. تمت الإستجابة لهذه الضغوط بتشييد المزيد من المحطات الحرارية بإعتمادها الكبير على الوقود المستورد حيث تمت إضافة أكثر من 1500 ميقاواط حرارية بين عامي 2008-2019. حيث تُقدر تكلفة الوقود المستهلك [3] للقطاع في 2017 ب 16.1 بليون ج.س ما جعل نسبة الدعم الحكومي للقطاع 15% من منصرفات الدولة.

بالإضافة لفجوة السعة المتوفرة فإن التكلفة المرتفعة لمد شبكات النقل والتوزيع تترك بدورها نسبة مقدرة من الشعب في الظلام. مع ذلك فإن خطة القطاع [4]، والتي تبدو طموحة جداً، تهدف إلى الوصول لإمداد كهربائي بنسبة 80% بحلول 2031.


الإستهلاك: حينما يتساوى متوسط إستهلاك المنزل في السودان وألمانيا




تستهلك ولاية الخرطوم [2] 60% من الإمداد القومي والذي يستهلك القطاع السكني منه 60% أيضاً كما موضح في الشكل 2.ب. يعتبر متوسط إستهلاك المنزل في السودان مرتفعاً جداً عند 308 كيلوواط.ساعة/الشهر (ك.و.س/ش) أي مايعادل المتوسط الشهري للمنازل في ألمانيا وستة أضعاف المتوسط لأفريقيا جنوب الصحراء[7]. الشيء الذي يرجع للطلب العالي على التكييف والتبريد في فصل الصيف حيث يبلغ الإستهلاك ضعف مايبلغه في الشتاء[4]. كما أن التعرفة المنخفضة وغياب القوانين التي تنظم إستيراد وإستخدام الأجهزة الكهربائية ومواد البناء تحفز المستخدمين على تجاهل أساسيات ترشيد الطاقة وتعزز معدلات الإستهلاك المبالغة هذه. فلا تزال الممارسة السائدة مثلاً وسط المقاولين ومهندسي المباني هي إستخدام وحدة تكييف منفصلة لكل غرفة أو سخان مياه لكل حمام/مطبخ حتى للمباني الكبيرة والتي يمكن الإستعاضة عنها بأنظمة مركزية أكثر كفاءةً في إستخدام الطاقة.

يوضح الشكل 2.أ توزيع الإستهلاك الشهري للقطاع السكني. فبينما تستهلك 46% من المنازل بين 0- 200 ك.و.س/ش إلا أن مجموع الطاقة المستهلكة الكلي لها لا يتجاوز ال 21% من مجمل الإستهلاك السكني، أي أنه أقل من ال26% التي تستهلكها 1% فقط من المنازل التي يتجاوز إستهلاكها 1500 ك.و.س/الشهر، أو ال1% الأغنى بصياغة أوضح.


التعرفة الجديدة: مرتفعة جداً، منخفضة جداً






في مقابلة هاتفية متلفزة [9] مع وزير الطاقة المكلف بخصوص الزيادات الأخيرة وضح فيها الوزير أن آخر نظام تعرفة صمم ليغطي التكلفة الحقيقية للإنتاج وبقيمة دعم متناسبة مع هذا البند كان في 2012، لكن معدلات التضخم المتسارعة أدت إلى أن لا تغطي فئات التعرفة التي وضعت لاحقاً سوى قيمة بسيطة من التكلفة الحقيقية للقطاع.

وفقاً لتقرير صادر من البنك الدولي في 2019 [2] فإن تكلفة قطاع الكهرباء قد شهدت زيادة بمعدلات كبيرة في السنوات الأخيرة لعدة أسباب أهمها تراجع قيمة الجنيه وزيادة نسبة التوليد الحراري بإعتماده على الوقود المستورد بالعملة الصعبة وزيادة طلب المستهلكين مما يعني زيادة نسبة الدعم. لهذه الأسباب يقدم التقرير خطة متكاملة لإصلاح القطاع تتضمن عدة محاور أبرزها إصلاح تدريجي لنظام التعرفة ولهيكلة المؤسسات وخطة بالتكلفة الأدني (Least Cost Plan) لزيادة الإمداد تشجع الطاقات المتجددة والربط الإقليمي مع دول الجوار. لكن إذا كنا قد أعتدنا على أن تكون توصيات البنك الدولي كارثية في عدم مراعاتها لأوضاع المواطنين على أرض الواقع فإن ماقامت وزارة الطاقة بتنفيذه وحيوده عن بعض هذه التوصيات أسوأ بكثير.

أولاً فإن نظام التعرفة الجديد [8] للقطاع السكني قد قام بقص-لصق التوصية المتعلقة بخفض سقف الدعم الحيوي (Lifeline) من 200 ك.و.س/ش إلى 100 ك.و.س/الشهر أي أقل من متوسط أدنى الفئات المستهلكة (Poorest Quintile) المرصود عند 177 ك.و.س/الشهر 1 مما زاد التكلفة الشهرية لهذه الفئة خمسة أضعاف. وبصورة مماثلة فقد زادت التكلفة بخمسة أضعاف للفئات التي تستهلك حتى 400 ك.و.س/ش و 600 ك.و.س/ش رغم المقدرة الأعلى لهذه الفئات على تحمل زيادة التعرفة. بصيغة أخرى، وإذا أعتبرنا أن معدلات إستهلاك الكهرباء معياراً لمعدلات الدخل التي تنعكس في المقدرة على إمتلاك أجهزة كهربائية أكثر وأعلى إستهلاكاً للطاقة فإن الفئة الدنيا (عند 177 ك.و.س/الشهر) هي الأكثر هشاشة والأقل مقدرة على إمتصاص زيادة تبلغ خمسة أضعاف. بينما تمتلك الفئات الثانية والثالثة مقدرة أكبر على تحمل زيادة التعرفة وهامش أكبر لترشيد الإستهلاك المدفوع أساساً بممارسات إستهلاكية غير رشيدة.

يوضح الشكل 3.أ التعرفة السكنية القديمة بالبرتقالي، الجديدة بالأزرق وأخرى مقترحة بالرمادي [11]. تفترض التعرفة المقترحة الإبقاء على التكلفة الكلية لل600 ك.و.س الأولى عند 780ج والتي يبدو الوزير المكلف فخوراً بكونها لاتزال منخفضة مقارنة بتكاليف المعيشة الأخرى. الفرق في أن التعرفة المقترحة تحافظ على قيمة الدعم الحيوي في 200 ك.و.س/ش مع زيادته بثلاثة أضعاف بدلاً عن خمسة، بينما تضع قيمة زيادة أكبر للفئات الثانية والثالثة من الطبقة الوسطى الأفضل وضعاً والتي يبدو أن الحكومة تتجنب جاهدة إثارة غضبها. توصي التعرفة المقترحة أيضاً بجعل أي إستهلاك يفوق ال 600 ك.و.س/ش (حيث تمثل 600 ك.و.س/ش السقف المزعوم للتعرفة المدعومة الجديدة) بأن يُحاسب وفقاً لتكلفة الإنتاج الحقيقية المقدرة ب 9.9ج/ ك.و.س (0.18 دولار/ ك.و.س) [10] بدلاً عن 6.35 ج الحالية وغير المبررة، لأن ذلك ليس من شأنه أن يزيد من عوائد القطاع وحسب بل سيحفز ال1% التي تستهلك أكثر من ربع إمداد القطاع السكني على الترشيد.

2900% هو معدل الزيادة في التعرفة التجارية للفئة الأولى سابقاً (0-200 ك.و.س) ؛ نعم 2900% هي تعديل فلكي آخر، حيث لا تتبع التعرفة الجديدة نظاماً تدريجياً ولا تميز بين نوع أو حجم التجارة. فبالنسبة لأصحاب الدكاكين الصغيرة والتي لاتمتلك حجماً قادراً على إمتصاص زيادة بهذا المعدل فإن ذلك قد إنعكس بصورة مباشرة في أسعار السلع والخدمات، فمثلاً قد قفز سعر قارورة المياه من 30 ج إلى 40 ج (زيادة 33%) وتكلفة الحلاقة في صالون حينا من 200ج إلى 350ج (زيادة 75%). يقترح الشكل 3.ب والذي يقارن بين التعرفة القديمة والجديدة وثالثة مقترحة [12] الإبقاء على نظام الثلاث فئات القديم الذي يتبع زيادة تصاعدية مدعومة تبلغ ثلاثة أضعاف مقارنة بالتعرفة القديمة حتى 400 ك.و.س، على أن تسري التعرفة غير المدعومة على أي إستهلاك أعلى من ذلك.

المثير للسخرية أن وصفة البنك الدولي توصي بزيادة تدريجية على مدى خمس سنوات بدلاً عن العلاج بالصدمة الحالي. كما تأكد التوصيات على أهمية أن تصاحب عملية إصلاح التعرفة "حملة إعلامية فعالة" لتمتص الغضب الشعبي ، إلا أنه لم تصدر حتى الآن معلومات رسمية مكتوبة أو مرئية توضح تفاصيل ومبررات هذه التعديلات. فالحكومة على الأرجح تعول على أن يتم تشتت الغضب في بحر السخط العام من الزيادات في كل بنود تكلفة المعيشة.


بينما يمكننا أن نتفق على ضرورة إصلاحات تعرفة الكهرباء في ظل الأوضاع الحالية للقطاع وللإقتصاد الكلي الذي ورثته البلاد من نظام الكيزان الفاسد، إلا أن تفاصيل هذه الإصلاحات تبقى موضع جدال. فسواء كان هذا سوء تقدير للوضع على أرض الواقع أو مجرد لامبالاة من جانب حكومتنا الإنتقالية، فمن غير العدالة أن نفترض أن من هم في قمة وقاع الهرم الإقتصادي لديهم نفس المقدرة على إمتصاص زيادات بهذه الأضعاف المضاعفة في تعرفة الكهرباء وأسعار السلع والخدمات التي صاحبتها. فقد كان من الممكن الوصول لصيغة إصلاحات أفضل من خلال توظيف الإمكانيات العالية التي يتمتع بها قطاع الكهرباء بصفة خاصة فيما يتعلق بقواعد البيانات المركزية للمستهلكين وتحليلها والتي يوفرها نظام الدفع المقدم، مصحوبة بفتح الفرصة للمشاركة العامة من خلال إستطلاعات رأي إسفيرية وحية أو من خلال المنظمات القاعدية والأكثر قرباً من المواطنين (لجان المقاومة، لجان الخدمات والتغيير، الخ)، للوصول إلى بنية تعرفة أكثرعدالةً وأقل إنحيازاً للقطاع السكني ومستهلكي الطبقة الوسطى والعليا مقارنة بهذه الحزمة التي تم تبنيها.


المراجع:

  1. موقع الشركة السودانية للنقل http://setco.com.sd/%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d8%b7/

2. The World Bank Report. (2019). From Subsidy to Sustainability: Diagnostic Review of Sudan’s Electricity Sector. Retrieved from: http://documents1.worldbank.org/curated/en/486961588608080192/pdf/From-Subsidy-to-Sustainability-Diagnostic-Review-of-Sudan-Electricity-Sector.pdf


3. قُدرت هذه التكلفة بناءً على حسابات تقرير البنك الدولي حيث تمثل تكلفة الوقود 85% من تكلفة القطاع التشغيلية الكلية والتي قدرت ب 19.1 بليون جنيه في 2017

4. Ministry of Water Resources and Electricity. (2012). Long and Medium Term Power System Plans. Lahmeyer International GmbH.

5. Figures source: WB report. Graph: the author

6. Figures source: WB report. Graph: the author

7. World Bank Project Information Document. (2020). Sudan Energy Transition and Access Project. https://ewsdata.rightsindevelopment.org/files/documents/40/WB-P175040.pdf


10. يقدر تقرير البنك الدولي التكلفة الحقيقية لإنتاج ب 0.18$/كيلو.واط.ساعة، أستخدمت الكاتبة سعر صرف البنك عند 55 ج مقابل دولار أمريكي واحد (فبراير 2021.

11.

12.



















182 views0 comments
Post: Blog2_Post
bottom of page