top of page
  • عبد المجيب الطيب

ترجمة مقدمة كتاب الهندسة والعدالة الاجتماعية

Updated: Jun 25, 2021

للكاتبة دونا رايلي


’’وها أنت ذا تسأل، ماذا عن المحايدين البريئين؟، لكننا في خضم الثورة، إذا كنت محايدا، فأنت لست ببرئ‘‘

آبي هوفمان

في السنوات الأخيرة صار بعض القادة في مجتمع المهندسين في الولايات المتحدة وفي بلدان أخرى يسعون لتعريف الهندسة كمهنة من أجل الإنسانية. هذا التوصيف عادة ما يدفع بمشكلة قلة الطلبة الذين يدخلون مجال الهندسة وقضايا محددة كقضية انخفاض تمثيل الرجال والنساء غير البيض بالإضافة لقلة تمثيل النساء البيض. يرى البعض أن المشكلة تكمن في أن المهندسين لا يفرضون الإحترام الكافي في المجتمع أو لا يتمتعون بالظهور الكافي.

اؤمن بعمق بأن القدرة الكامنة للهندسة في أن تصبح مهنة في خدمة الإنسانية والكوكب، مع ذلك لا يسعني إلا أن أتساءل ما إذا كان ما يبدو لنا كمشكلة هي محض إشكالية علاقات عامة أم هي أكثر عمقا. بشكل شخصي أجد أنه من الصعب دعوة طلبة الثانويات العليا لاختيار الهندسة بناء على احلام العمل من اجل قضايا إنسانية وبيئية، وانا اعلم تماما أن معظم الخريجين يعملون إما للمجهود العسكري الذي يركز على التجهيز للحرب أو المسعى التجاري الذي يتمحور حول زيادة الارباح، وعادة ما يكون على أكتاف المجتمعات الفقيرة.

يوجد في مهنة القانون مجال مختص بقانون المصلحة العامة الذي يهدف للوصول لمثال العدالة الإجتماعية حيث الفقير يمثل قانونيا أمام القانون بنفس الكفاءة المتوفرة للغني، و البيئة محمية بالقانون وتمتد الحقوق لتشمل أولئك الذين لا يعاملون بعدالة تحت القانون الساري. وفي مهنة الطب يوجد أولئك الأطباء المهتمون بالعدالة الإجتماعية، يؤسسون العيادات الطبية لتوسيع الوصول للرعاية الصحية، وممارسي الطب المجتمعي يضعون بوضوح الروابط بين المشاكل الإجتماعية والمشاكل الصحية داعين إلى تغيير جذري. يبرز السؤال كيف لم تقفي مهنة الهندسة على ذات المنوال؟ ولماذا من الصعوبة أن تجد مجتمعات مهندسين تهتم بالعدالة الإجتماعية؟ خلال كتابتي لهذا الكتاب مررت بأمثلة عديدة اكثر مما توقعت لمهندسين مشتغلين بالعدالة الإجتماعية فلماذا إذن نعمل في جزر معزولة من بعضنا البعض؟

يمثل هذا الكتاب محاولة لتفسير هذا النقص العام في إبراز موضوع العدالة الإجتماعية في الهندسة وبناء على الأعمال الأخرى لمعالجة الوضع. لا يسع المهندسين أن يكونوا محايدين غير مكترثين في وجه مشاكل هم الأقدر على إحداث فارق كبير فيها. فلا يمكن أن يمضي دورنا في تحقيق الأهداف العسكرية والربحية المؤسساتية بدون مراجعة. ولا أن نتعامى عن غيابنا الملاحظ من تحقيق أنواع أخرى للتقدم الإجتماعي.

ألمح البروفيسور في كلية هامبشير هيرب بيرنشتاين ذات مرة إلى الوضع الساخر في قلق كثير من طلبة الهندسة عند تعرفهم على أخلاقيات مهنة الهندسة من أن تسبب تصاميمهم الهندسية إعاقة، دون أدنى ملاحظة لأن يكون الغرض الأساسي لهذه التصاميم و الذي عليه قبضو ثمن العمل هو أن تسبب الإعاقة. قد لا يلاحظ المهندسون الإنحياز المضمن في المهنة: في من يربح ومن يخسر من الهندسة، في من يستطيع ومن لا يمكنه أن يصبح مهندسا، و في ما الذي يعد هندسة والذي خارج إطارها. تفضح كل هذه الخيارات إنحيازاتنا الجمعية. هذه الخيارات والإنحيازات مخفية بطرق مختلفة بحيث يتم إعتبارها جميعا نمطا سائدا، وهنا علينا أن نفرق بين ’’النمط السائد‘‘ وبين ’’الحيادية القيمية‘‘، حيث أن القيم التي تقع خارج إطار النمط السائد توصم بسهولة أنها مختلفة؛ إلا أنها لا تمثل إنحيازاً أكثر من تلك القيم المقبولة أصلا من قبل المجتمع و التي تسري بدورها بدون أن تلاحظ.

لذا بناءً على ما سبق يمكنني القول تعقيبا على مقدمة أوغوستو بولز لمسرح المقهورين أن كل الهندسة ’’ بالضرورة سياسية‘‘ بسبب الطرق التي تندمج فيها الهندسة داخل العملية السياسية؛ إنها سلاح يجب أن نناضل من أجله، لأن هولاء الممسكون بالسلطة يستخدمونه بطرق عدة كأداة لفرض السيطرة.

يمكنني أن أشير زيادةَ تعقيبا على بول إن دعوى أن الهندسة هي (أو يجب أن تكون) موضوعية محايدة تنبئ عن موقف سياسي محدد، فالذين يدعون إلى حد ما أن الهندسة موضوعية ومحايدة و يحاولون إخراجها خارج المربع السياسي هم بالأساس يمارسون عملا سياسيا. عليه فإنني لا يساورني الشك في أن عملي هذا سيتم دمغه بأنه سياسي ولكنه ليس بأكثر سياسة من المهنة ذاتها في نطاق الممارسة وفي التعليم الهندسي، بالرغم من أن الأفكار في هذا الكتاب قد لا تحظى بقبول واسع داخل النمط السائد.

يطرح هذا الكتاب رؤية نقدية لمهنة الهندسة و يستنبط إنحيازاتها الكامنة في النظرة للعالم وفي ممارساتها، مما قد يجعل الكتاب عصيا إلى حد ما على القارئ من نواحي عدة: معظم المفاهيم موضوع النقاش هنا مستقدمة من مساقات خارج الهندسة ما يجعلها غير مألوفة وتمثل تحدياً. تستند المساقات الأخرى على مجموعة طرائق تفكير وفلسفات عن العالم لا تتوفر داخل سياق مهنة الهندسة ولا يتم إدراجها داخل التعليم الهندسي، وعليه قد تتسم قراءة هذا الكتاب بالبطء وربما تتطلب من القارئ بحثاً إضافيا لبعض الأفكار المعروضة.

ثانيا قد يتبدى للبعض أن النقد المبذول بمثابة هجوم على المهنة والممتهنين بها، بيد أن هذه ليست نواياي على الإطلاق فأنا مهندس وفخور بذلك واعتقد بعمق بإلتزام المهنة بمعالجة قضايا العدالة الإجتماعية وأسعى لبناء مزيد من الفرص لهذا العمل. هذا الشغف الكبير بالمجال و ما يمكنه ان يكون هو ما دفعني لكتابة هذا الكتاب بما يتضمنه من نقد. آمل أن يستوعب القارئ أن نقدي مدفوع بحب المجال وأملي الخالص لعالم أكثر عدالة وسلاماً.أتمنى من القارئ أن يواصل القراءة حتى النهاية بعقل متفتح رغماً عن أن اللغة التي أستخدمها هنا وطرق التفكير البديلة التي أعرضها قد تستعصي على الفهم في أول وهلة، وقد تبدو شاذة، عصية او جنونية ولربما تقود القراء لمساءلة هويتهم كمهندسين.

كتبت الباحثة النسوية الثيولوجية روزماري رادفورد روثر ’’ إن الوعي هو بشكل كبير منتوج إجتماعي جمعي أكثر مما تدركه الرؤية الحديثة للفردانية. فلا يمكن لفرد أن يجابه الثقافة السائدة ما لم يوجد على الأقل مجموعة ثقافية تعطي الناس أفكاراً و دعماً لموقف بديل‘‘ إنني أعي تماماً كيف أن الأفكار المطروحة هنا تعكس المساهمات اللامحدودة لأفراد ومجتمعات كان لها الأثر البالغ على طريقة تفكيري في العالم، بداية بأساتذتي في مدرسة ويستريدج وبشكل أخص جيرارد فالون في برينستون الذي علمني كيف أفكر بشكل ناقد، وقد وعاني فرانك فون هوبل بأنه يمكن للهندسة والعدالة الإجتماعية أن يلتحما مع بعضهما، كما أن آنديرا ناير في كارنيغي ميلون صمم نموذجا وما زال يصمم لمسار مهني مؤسس يربط الهندسة بالعدالة الإجتماعية بالإضافة إلى مضيف المخططين المتشاركين(co-conspirators) في مجموعة النشطاء التي أنتمي إليها (انت تعلم من تكون) قد أثر في تفكيري على مر سنوات حول العدالة الإجتماعية بشكل عام وتقاطعاتها مع مهنة الهندسة.


77 views0 comments
Post: Blog2_Post
bottom of page